فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد تقدّم بسط الكلام على الأَيمان في البقرة.
{وَقَدْ جَعَلْتُمُ الله عَلَيْكُمْ كَفِيلًا} أي: شهيدًا.
وقيل: حافظًا.
وقيل: ضامنًا.
وقيل: رقيبًا؛ لأن الكفيل يراعي حال المكفول به.
وقيل: إن توكيد اليمين هو حلف الإنسان على الشيء الواحد مرارًا.
وحكى القرطبي عن ابن عمر: أن التوكيد هو أن يحلف مرتين، فإن حلف واحدة فلا كفارة عليه {إِنَّ الله يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} فيجازيكم بحسب ذلك، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشرّ، وفيه ترغيب وترهيب.
ثم أكد وجوب الوفاء وتحريم النقض، فقال: {وَلاَ تَكُونُواْ كالتى نَقَضَتْ غَزْلَهَا} أي لا تكونوا فيما تصنعون من النقض، بعد التوكيد كالتي نقضت غزلها، أي: ما غزلته {مِن بَعْدِ قُوَّةٍ} أي: من بعد إبرام الغزل وإحكامه، وهو متعلق ب {نقضت} {أنكاثا} جمع نكث بكسر النون، ما ينكث فتله.
قال الزجاج: انتصب {أنكاثًا} على المصدر؛ لأن معنى نقضت: نكثت.
وردّ بأن {أنكاثًا} ليس بمصدر، وإنما هو جمع كما ذكرنا.
وقال الواحدي: هو منصوب على أنه مفعول ثانٍ كما تقول كسرته أقطاعًا وأجزاء، أي: جعلته أقطاعًا وأجزاء.
ويحتمل أن يكون حالًا.
قال ابن قتيبة: هذه الآية متعلقة بما قبلها، والتقدير: وأوفوا بعهد الله ولا تنقضوا الأَيمان، فإنكم إن فعلتم ذلك كنتم مثل امرأة غزلت غزلًا وأحكمته ثم جعلته أنكاثًا.
وجملة {تَتَّخِذُونَ أيمانكم دَخَلًا بَيْنَكُمْ} في محل نصب على الحال.
قال الجوهري: والدخل: المكر والخديعة، وقال أبو عبيدة: كلّ أمر لم يكن صحيحًا فهو دخل، وقيل: الدخل ما أدخل في الشيء على فساده.
وقال الزجاج: غشًا وغلًا {أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هي أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} أي: بأن تكون جماعة هي أربى من جماعة، أي: أكثر عددًا منها وأوفر مالًا.
يقال: ربا الشيء يربو إذا كثر، قال الفراء: المعنى: لا تغدروا بقوم لقلتهم وكثرتكم، أو لقلتكم وكثرتهم، وقد عزرتموهم بالأَيمان.
قيل: وقد كانت قريش إذا رأوا شوكة في أعادي حلفائهم، نقضوا عهدهم وحالفوا أعداءهم.
وقيل: هو تحذير للمؤمنين أن يغترّوا بكثرة قريش وسعة أموالهم فينقضوا بيعة النبيّ صلى الله عليه وسلم.
{إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ الله بِهِ} أي: يختبركم بكونكم أكثر وأوفر، لينظر هل تتمسكون بحبل الوفاء، أم تنقضون اغترارًا بالكثرة؟ فالضمير في {به} راجع إلى مضمون جملة: {أن تكون أمة هي أربى من أمة} أي: إنما يبلوكم الله بتلك الكثرة، ليعلم ما تصنعون، أو إنما يبلوكم الله بما يأمركم وينهاكم.
{وَلَيُبَيّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ القيامة مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} فيوضح الحق والمحقين، ويرفع درجاتهم، ويبين الباطل والمبطلين، فينزل بهم من العذاب ما يستحقونه.
وفي هذا إنذار وتحذير من مخالفة الحق والركون إلى الباطل.
أو يبين لكم ما كنتم تختلفون فيه من البعث والجنة والنار.
ثم بيّن سبحانه أنه قادر على أن يجمع المؤمنين والكافرين على الوفاء أو على الإيمان فقال: {وَلَوْ شَاء الله لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحدة} متفقة على الحق {ولكن} بحكم الإلهية {يُضِلُّ مَن يَشَاء} بخذلانه إياهم عدلًا منه فيهم {وَيَهْدِى مَن يَشَاء} بتوفيقه إياهم فضلًا منه عليهم {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ} [الأنبياء: 23].
ولهذا قال: {ولتسألن عما كنتم تعملون} من الأعمال في الدنيا، واللام في {وليبيننّ لكم} وفي {ولتسألنّ} هما الموطئتان للقسم.
ثم لما نهاهم سبحانه عن نقض مطلق الأيمان، نهاهم عن نقض أيمان مخصوصة، فقال: {وَلاَ تَتَّخِذُواْ أيمانكم دَخَلًا بَيْنَكُمْ} وهي أيمان البيعة.
قال الواحدي: قال المفسرون: وهذا في نهي الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نقض العهد على الإسلام ونصرة الدين.
واستدلوا على هذا التخصيص بما في قوله: {فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا} من المبالغة، وبما في قوله: {وَتَذُوقُواْ السوء بِمَا صَدَدتُّمْ} لأنهم إذا نقضوا العهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صدّوا غيرهم عن الدخول في الإسلام.
وعلى تسليم أن هذه الأيمان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هي سبب نزول هذه الآية، فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وقال جماعة من المفسرين: إن هذا تكرير لما قبله، لقصد التأكيد والتقرير.
ومعنى {فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا} فتزلّ قدم من اتخذ يمينه دخلًا عن محجة الحق {بعد ثبوتها} عليها ورسوخها فيها.
قيل: وأفرد القدم للإيذان بأن زلل قدم واحد، أيّ قدم كانت عزّت أو هانت محذور عظيم، فكيف بأقدام كثيرة؟ وهذا استعارة للمستقيم الحال، يقع في شرّ عظيم ويسقط فيه، لأن القدم إذا زلت، نقلت الإنسان من حال خير إلى حال شرّ.
ويقال لمن أخطأ في شيء: زلت به قدمه، ومنه قول الشاعر:
تداركتما عبسًا وقد ثلّ عرشها ** وذبيان قد زلت بأقدامها النعل

{وَتَذُوقُواْ السوء بِمَا صَدَدتُّمْ} أي: تذوقوا العذاب السيء في الدنيا أو في الآخرة، أو فيهما بما صددتم {عَن سَبِيلِ الله} أي: بسبب صدودكم أنتم عن سبيل الله، وهو الإسلام، أو بسبب صدّكم لغيركم عن الإسلام، فإن من نقض البيعة وارتدّ، اقتدى به غيره في ذلك، فكان فعله سنّة سيئة عليه وزرها ووزر من عمل بها ولهذا قال: {وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} أي: متبالغ في العظم، وهو عذاب الآخرة إن كان المراد بما قبله عذاب الدنيا.
ثم نهاهم سبحانه عن الميل إلى عرض الدنيا والرجوع عن العهد لأجله فقال: {وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ الله ثَمَنًا قَلِيلًا} أي: لا تأخذوا في مقابلة عهدكم عوضًا يسيرًا حقيرًا.
وكل عرض دنيوي وإن كان في الصورة كثيرًا، فهو لكونه ذاهبًا زائلًا يسير، ولهذا ذكر سبحانه بعد تقليل عرض الدنيا خيرية ما عند الله فقال: {إِنَّمَا عِنْدَ الله هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} أي: ما عنده من النصر في الدنيا والغنائم والرزق الواسع، وما عنده في الآخرية من نعيم الجنة الذي لا يزول ولا ينقطع هو خير لهم.
ثم علل النهي عن أن يشتروا بعهد الله ثمنًا قليلًا، وأن ما عند الله هو خير لهم بقوله: {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} أي: إن كنتم من أهل العلم والتمييز بين الأشياء.
ثم ذكر دليلًا قاطعًا على حقارة عرض الدنيا وخيرية ما عند الله فقال: {مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ الله بَاقٍ} ومعلوم لكل عاقل أن ما ينفد ويزول وإن بلغ في الكثرة إلى أي مبلغ فهو حقير يسير، وما كان يبقى ولا يزول فهو كثير جليل.
أما نعيم الآخرة فظاهر، وأما نعيم الدنيا الذي أنعم الله به على المؤمنين فهو وإن كان زائلًا، لكنه لما كان متصلًا بنعيم الآخرة، كان من هذه الحيثية في حكم الباقي الذي لا ينقطع، ثم قال: {وَلَنَجْزِيَنَّ الذين صَبَرُواْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} اللام هي الموطئة، أي: لنجزينهم بسبب صبرهم على ما نالهم من مشاقّ التكليف وجهاد الكافرين والصبر على ما ينالهم منهم من الإيذاء بأحسن ما كانوا يعملون من الطاعات.
قيل: وإنما خصّ أحسن أعمالهم؛ لأن ما عداه وهو الحسن مباح، والجزاء إنما يكون على الطاعة، وقيل: المعنى: ولنجزينهم بجزاء أشرف وأوفر من عملهم، كقوله: {مَن جَاء بالحسنة فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160]، أو لنجزينهم بحسب أحسن أفراد أعمالهم على معنى لنعطينهم بمقابلة الفرد الأعلى من أعمالهم المذكورة ما نعطيهم بمقابلة الفرد الأعلى منها من الجزاء الجزيل، لا أنا نعطي الأجر بحسب أفرادها المتفاوتة في مراتب الحسن بأن نجزي الحسن منها بالأجر الحسن، والأحسن بالأحسن، كذا قيل.
قرأ عاصم وابن كثير: {لنجزين} بالنون.
وقرأ الباقون بالياء التحتية.
وقد أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن مزيدة بن جابر في قوله: {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ الله إِذَا عاهدتم} قال: أنزلت هذه الآية في بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأنّ من أسلم بايع على الإسلام، فقال: {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ الله} الآية، فلا يحملنكم قلة محمد وأصحابه، وكثرة المشركين أن تنقضوا البيعة التي بايعتم على الإسلام.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {وَلاَ تَنقُضُواْ الأيمان بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} يقول: بعد تغليظها.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة نحوه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير نحوه.
وأخرج ابن مردويه من طريق عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس، أن سعيدة الأسدية كانت تجمع الشعر والليف، فنزلت فيها هذه الآية {وَلاَ تَكُونُواْ كالتى نَقَضَتْ غَزْلَهَا}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي بكر بن حفص مثله.
وفي الروايتين جميعًا أنها كانت مجنونة.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدّي في سبب نزول الآية، قال: كانت امرأة بمكة تسمى خرقاء مكة كانت تغزل فإذا أبرمت غزلها نقضته.
وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن كثير معناه.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هي أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} قال: ناس أكثر من ناس.
وأخرجوا عن مجاهد في الآية قال: كانوا يحالفون الحلفاء فيجدون أكثر منهم وأعزّ، فينقضون حلف هؤلاء ويحالفون هؤلاء الذين هم أعزّ، فنهوا عن ذلك. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 96] وقال بعد: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97] وفي آية الزمر: {لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَالَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الزمر: 35] فورد هنا {الذي} مكان (ما) في الآيتين في سورة النحل، فللسائل أن يسأل عن ذلك؟.
والجواب عنه، والله أعلم: أن آية النحل الأولى لما افتتحت بما الموصولة في قوله تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ}، والمراد بها الإطلاق والعموم، كانت في هذا الموضوع أولى من لفظ {الذي} وإن اشتركا في الموصولية، إلا أن {الذي} لا تفارق الموصولية، فهي كأنها أعرق في التعريف من {ما} لخروج {ما} عن الموصلية من حيث إنها تكون حال اسميتها شرطًا واستفهامًا، ولا يفارقها العموم والإطلاق في هذين الموضعين، ولا الإبهام إذا كانت صفة أو نكرة موصوفة أو تعجبًا، وبالجملة فالإطلاق أملك بها، وهو هنا مقصود، وأما {الذي} فلا تفارق الموصولية، والعهدية فيها أغلب من الجنسية، فما في الآية أحرز للمقصود منها فوردت فيها، وتكررت في قوله: {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ}، ومعنى الحصر والتعميم فيهما واحد، والكلام مراعى فيه معناه، وكأن قد قيل: كل ما عندكم ينفذ وكل ما عند الله باق، ولفظ {ما} أجرى هنا من {الذي} لما يحرزه من معنى الإطلاق، ولما تقرر من التزامها العموم في الشرط والاستفهام، وأنها لا تمنع الاشتراك حال إبهامها فيما عدا الموضعين.
ومن أهل النظر من يطلق العموم بمعنى منع الشركة، والذي لا يقول هذا لايمكنه إنكار الإبهام الإطلاقي وكيفما قيل فإن معنى التوسعة لا يفارقها، وليست {الذي} كذلك، فكانت {ما} أملك بالمعنى المقصود في الموضع، ثم ناسبها وجرى معها ورودها في قوله: {بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، ولم تكن {الذي} لتناسب فجاء كل على ما يجب.
وقوله في الآية الثانية: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} [النحل: 97]، الآية جارية مجرى الآية التي قبلها، و{من} أقرب لها من (الذي) لما بينهما من الاشتراك في المعاني التي لا تشاركها فيها (الذي)، ألا ترى أن (الذي) لا تكون استفهامًا البتة، ولا نكرة موصوفة ولا مبهمة، إذ لا يفارقها التعريف. فإن قلت قد يدخلها معنى الشرط في نحو قوله: الذي يأتيني فله درهم، وهو المسوغ لدخول الفاء في خبرها في مثل هذا المثال ففيها إذ ذاك عموم. قلت ذلك متوقف على شروط معلومة، ولو لم يتوقف ذلك على شرط لبقي اشتراك فيما لا تدخل فيه (الذي). فمن على كل حال أجري مع ما يناسبها وما انجر معها من تقوية قصد الاستغراق من قوله: {مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى}، وهذا المنجر في هذه الآية يقابل تكرار ما في الآية قبل، هذه كتلك بهذا النظير من غير فرق، فلم يكن ليناسب ذلك ورود (الذي) مكان (ما) في قوله: {بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، فتناسب هذا كله أوضح شيء، ولا يمكن في هاتين الآيتين ورود لفظ (الذي) مكان (ما) لمن لحظ المراعى في الآية من عليّ، نظم الكتاب العزيز، واعتبر التناسب الذي يعجز البشر عن محافظه رعية، ولا يمكن الوفاء به بوجه إلا في كتاب الله سبحانه.
وأما آية الزمر فوارده في معنى الخصوص المقصود به طائفة بعينها ألا ترى ما قبلها من قوله تعالى: {وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} [الزمر: 33]، والمراد بالذي جاء بالصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولاذي صدق به متقدمو أصحابه ممن سبق وحسن تصديقه كأبي بكر، رضي الله عنه، ومن قارب حاله وجرى في {نحو} مضماره، وهؤلاء مخصوصون لا يشاركهم في حالهم غيرهم، وفيهم ورد ما بعد، وإليهم ترجع الضمائر من قوله: {هُمُ الْمُتَّقُونَ}، وقوله: {لَهُمْ مَا يَشَاءونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [الزمر: 34]، وقوله: {لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَالَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ} (الزمر: 35)، فلم يكن ليصلح هنا غير الأداة العهدية، فجاء {بالذي} في الموضعين من قوله: {لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَالَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} (الزمر: 35)، ولم تكن {ما} لتناسب هنا لما تقدم، فجاء كل على ما يجب ويناسب، ولا يمكن فيه عكس الوارد في الضربين على ما تقدم، والله سبحانه أعلم. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاء وَيَهْدِي مَنْ يَشَاء وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (93)}.